يعلم المغرب أن تفوقه في معركة الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي لا يعني استسلام معسكر معارضته وركونه إلى القبول بالوضع الجديد والرضا به؛ ذلك أن ترجيح الإرادة المغربية لتحقيق الانضمام على إرادة إجهاضه وتفاديه من طرف الجزائر وجنوب إفريقيا، لا يضع حدًّا للمنازعة بين الفريقين عند عتبة العزم على الدخول، ورفضه؛ بل إن جذور هذا الصراع تكمن في خلفيات الانضمام، ودواعي رفضه، وفي أساسهما وأسبابهما.
خلفيات
ذلك إذن قصدٌ يفوق ويتجاوز نتيجة وفكرة العودة المحققة، ويتجه إلى استهداف الدوافع الرئيسية المتحكمة في طلب الانضمام من أساسه، للحد منها في المهد، لإدراك الجزائر وجنوب إفريقيا والبوليساريو الأكيد لإمكانيات المغرب القائمة والمحتملة،أو المفترضة في إحداث تغيير يطال قواعد اللعبة، التي تريدها الجزائر ثابتة على النهج نفسه، ومستقرة على المنوال نفسه، والمسار والمنحى الذي كانت عليه، لصالح البوليساريو، لما تجنيه من مواقف سياسية ضد المغرب، دون عناء، وبتكلفة أقل، من داخل الاتحاد الإفريقي.
وفي المقابل،فإن نية المغرب ولوج الاتحاد الإفريقي ترمي إلى تدشين بداية لتحول في هذه القواعد، وجعلها متحركة وديناميكية، بتغييرها وقلبها لصالحه، بالحد من نهج ومسار سارت ودأبت عليه ضده، سواء في شكلها، وفي جوهرها، ومضمونها، عن طريق تعليق تواترها، أو محاولة تعديل، وتغيير، ونسخ لها لصالحه مع انصرام الوقت، ومرور والزمن، وفقًا لمضمون إستراتيجيته الجديدة في إفريقيا القائمة على التدرج في البناء، وفي تحقيق الأهداف حسب أولوياتها المرحلية.
ذلك أن الواقع من داخل الاتحاد الإفريقي، وفي علاقة بالمغرب، يتميز بوجود بنية من القواعد والقرارات لصالح البوليساريو وضد المغرب؛ بالإضافة إلى اعتراف مجموعة من الدول الأعضاء في الاتحاد بالجبهة كدولة، وهو اعتراف يعتبره المغرب يتناقض وشرعية حقوقه، المؤيدة تاريخيًّا، والمرجحة قانونًا. كما أن الاتحاد الإفريقي ضرب صفحًا وتعتيمًا على مبادرة المغرب بالحكم الذاتي، في مقابل اعتناقه مبادرة البوليساريو، ولهذا يطالب بتحديد موعد للاستفتاء في سعي إلى استعادة خطة التسوية المقبورة. ويتجاوز الاتحاد الإفريقي في تلك الدعوة القرارات الأممية، وإرادة طرفي النزاع أنفسهم.
ويعتقد المغرب أن ذلك يرجع فقط إلى انسحابه من الفضاء المؤسسي الجماعي الإفريقي، فتدارَك ذلك الخطأ باتخاذه قرارًا بالعودة وتحقيقها. ورغم أن القرار إيجابي بخصوص الطلب المغربي، بحصوله على تصويت واسع من داخل القمة 28 والمؤتمر؛ فإن هذا النجاح المغربي، ووجوده من داخل الاتحاد الإفريقي، مهدد بأن يبقى مجرد رقم إضافي للأعضاء المكوِّنين للأخير، في حالة عدم تفعيله ليكون منتجًا وفعالًا وهادفًا.
خطر انقلاب
إن خطة وسياسة المغرب برمتها قد تنقلب سلبية عليه، وترجع عليه بنتائج عكسية، وهو مؤشِّر الخطر الذي برهن عليه قرار مجلس السلم والأمن الإفريقي الأخير. وقد يكون المغرب أدرك صعوبة وشدة الضغط الذي سيمارَس عليه خلال الفترة "الفراغ"، والتي ستمتد فعليًّا ما بين تاريخ رجوعه والمدة التي سيستغرقها لفهم آليات وقواعد اشتغال أجهزة الاتحاد الإفريقي، ووصوله الفعلي إلى مراكز ومنافذ صنع القرار من داخل مختلف أجهزته المتعددة والمتنوعة، والكثيرة، للمشاركة والمساهمة في توجيهها، والتحكم في قراراتها.
المغرب في ذلك يحتاج إلى وقت مزدوج لضبط جدولة انتخاب المكاتب التقريرية في هذه الأجهزة، وخلق ائتلافات، وتشكيل تحالفات مع المؤيدين لانتدابه، أو انتداب حلفائه في هذه المراكز، يرافعون على شرعية حقوقه، وواقعية، وجدية مبادرته بالحكم الذاتي؛ وهي معارك صعبة لأن ساحاتها عبارة عن كواليس مظلمة، ويزيد من عتمتها جهل المغرب بقواعد اللعب فيها، والجهد الكبير الذي يلزم من أجل حسن الاستيعاب، وتقدير التحركات المنتجة.
والمغرب بذلك ملزم بنهج واحترام فترة من الهدوء والسكينة وتفادي التوترات من أجل فهم جيد. وهذه الحاجة هي التي تفسِّر انسحاب البلد من جانب واحد من منطقة الكركارات، وتغيبه عن جلسة اجتماع مجلس الأمن والسلم الإفريقي رقم 668 بتاريخ 20 مارس 2017، خدمة لأولوية الهدف الإستراتيجي بتوفير ظروف عودة هادئة، سلسة، وغير متوترة.
انقلب المغرب سريعًا على هذه الضرورة الوقتية وبات يركِّز على التصدي لحضور البوليساريو في أشغال مجموعة من اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات بين إفريقيا وبعض الدول، في التجمعات الإقليمية، والقارية، والأممية، وفِي وقت جد حرج وقبيل عودته إلى الاتحاد الإفريقي بشهر، منها اجتماع القمة العربية-الإفريقية بملابو في غينيا يوم 23 نونبر 2016..وغداة عودته خلال مؤتمر التنمية في إفريقيا، الذي ينظمه الاتحاد الإفريقي واللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة بإفريقيا في السنغال ما بين 27 و28 مارس 2017..وخلال اجتماع المؤتمر الدولي لطوكيو حول تنمية إفريقيا (تيكاد) في مابوتو بموزنبيق ما بين 23 و25 غشت 2017..الأمر نفسه طبع اجتماع القاهرة التشاوري، في 27 شتنبر2017، حول الصحة الذي نظمته مفوضية الاتحاد الإفريقي على مستوى خبراء دول إقليم شمال إفريقيا لتفعيل المركز الإفريقي لمراقبة الأمراض والوقاية منها، بالإضافة إلى الجدل والنقاش الذي احتدم الآن حول رفض مشاركة البوليساريو في لقاء الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي الذي سينعقد بساحل العاج ما بين 29 و30 نونبر 2017.
جوهر الأشياء
بغض النظر عن أحقية المغرب من عدمها في الدفع برفض حضور البوليساريو في أشغال اجتماعات ومنتديات دولية بسبب عدم حصولها على اعتراف دولي ولا أممي ولا عربي، والتأويل الذي يتفاداه في حالة التزامه التغاضي والسكوت عن حضورها، والاستنتاج المقابل الذي ستخرج به هي والجزائر وغيرها من الدول المساندة لها في اعتبار ذلك إقرارًا واعترافًا مغربيًّا بها كـ"دولة".. فحضور البوليساريو يمكن استثماره بشكل إيجابي لبناء تدابير الثقة بدلًا من المواجهة التي لن تجدي نفعًا، ولن تأتي بحل سواء في إطار القبول بالوضع القائم من داخل الاتحاد الإفريقي أو رفضه والسعي إلى تغييره.. فذاك الوضع لم ينفع البوليساريو خلال ثلاثة عقود ونيف طَبَعَها غياب المغرب عن التنظيم المؤسسي الإفريقي بنيل دولة، مثلما لم يضر المملكة بسحب الإقليم من سيادتها وحيازتها. ومن ثم وجبت إعادة النظر في التكتيك الحالي؛ لأنه مجرد جعجعة بلا طحين، فالعبرة بالنتائج لصالح هذا الطرف أو ضد ذاك الطرف.
0 التعليقات:
إرسال تعليق