إنضم إلينا

باحث مغربي يطرح سيناريو سحب المملكة "الحكم الذاتي" بالصحراء * منقول عن هسبريس *



د.محمد الزهراوي*
يثير سؤال سحب المغرب لمقترح الحكم الذاتي، الذي تقدم به سنة 2007 - كأقصى ما يمكن أن يقدمه بخصوص قضية الصحراء- في الظرفية الراهنة بعض الإشكالات والنقاشات. كما قد تثار حوله اختلافات بين رافض ومرحب، وبين مستغرب ومتفهم.
فهذا السيناريو يحتمل عدة قراءات وتأويلات، حسب خلفيات ودفوعات كل طرف وجهة. سؤال السحب يجد مشروعيته في العشر سنوات المنفرطة، منذ طرحه إلى اليوم، فهذا الطرح يسائل ويضع تحت مجهر الملاحظة والاختبار مقترح الحكم الذاتي في علاقته بسؤال السيادة والوحدة الترابية.
لا ريب أنه عند تتبع مسار النزاع حول الصحراء، نلاحظ التغييرات الهامة التي وقعت على الأرض؛ أي على مستوى مكونات الجغرافيا المتنازع عليها، خاصة طبيعة التركيبة السكانية في المناطق الجنوبية، بالإضافة إلى التطور التنموي الذي شهدته تلك المناطق خلال العشرية الأخيرة، والتحولات الكثيرة منذ أن قدم المغرب مقترح الحكم الذاتي؛ سواء على المستويات الدولية والقارية أو الإقليمية.


كل هذه التحولات والأحداث يمكن اعتبارها مؤشرات موضوعية تصب في صالح المغرب، وتقوي أطروحته المناهضة للانفصال والداعمة لوحدته الترابية. لذلك، فالتنزيل العملي والإجرائي لهذه المؤشرات واستغلالها بشكل جيد يقتضيان تغيير طريقة تدبير الملف وإعادة ضبط إيقاع الصراع وفق ما يخدم مصالح المغرب ويجعله يتحكم في تدبير "زمن الصراع". وبالتالي، فسحب مقترح الحكم الذاتي، وفق السياق الحالي، خاصة في ظل ما وقع في إسبانيا، يجعل الخصوم يتوجسون من عودة النزاع إلى نقطة الصفر، لا سيما أن المغرب يمارس السيادة على أقاليمه الجنوبية. فما هي الخلفيات الموضوعية والإستراتيجية التي تسمح باتخاذ مثل هذا القرار؟
الخلفيات الموضوعية: مدى نجاعة الضمانات الدستورية والمؤسساتية والدولية
رغم أن مقترح الحكم الذاتي يعتبر خيارا واقعيا يحاول المغرب من خلاله طي ملف النزاع حول الصحراء بشكل نهائي، فإن هناك مجموعة من الاعتبارات الموضوعية، التي تجعل هذا الخيار محفوفا بالمخاطر، التي قد تمس الوحدة الترابية للمملكة، حيث إن التجربتين الإسبانية والعراقية أبانتا عن محدودية الضمانات المؤسساتية والدستورية في التصدي للنزعات الانفصالية.
إن ما وقع في كل من كردستان العراق وكاتالونيا إسبانيا يطرح عدة إشكالات وتساؤلات بخصوص الضمانات والوسائل، التي يمكن أن تلجأ إليها الدول، التي تطبق نظام "الوحدات المستقلة" أو "دولة الجهات" لحماية وحدتها الترابية من خطر الانفصال. والمقصود هنا بالتحديد الدول التي تعتمد نظام "الحكم الذاتي" أو "الفدرالية" بالنسبة إلى الدول الاتحادية كألمانيا، وهو نمط يقوم على منح بعض الجهات صلاحيات واسعة من خلال تشكيل برلمان وحكومة إقليميين.
فما حدث في كل من العراق وإسبانيا، رغم وجود بعض الفوارق، أثبت أن اعتماد هذا النمط يبقى محفوفا بالمخاطر، خاصة في ظل تنامي النزعة القومية والعرقية. ويمكن هنا طرح بعض التساؤلات، التي يمكن أن تساعد على استشراف آفاق مستقبل وحدة الدول التي تعتمد هذا النظام أو النمط، وهي كالآتي:
إلى أي حد يمكن اعتبار الضمانة الدستورية أداة فعالة لحماية الدول التي تعتمد هذا النمط من خطر الانفصال، خاصة أن التجربتين الإسبانية والعراقية أظهرتا عكس ذلك؟
- هل يمكن الاعتماد على قواعد القانون الدولي لحماية وحدة أراضي الدول؟ بمعنى، هل عدم اعتراف الدول يشكل ضمانة لعدم وقوع الانفصال، على اعتبار أن هذا الإجراء يعتبر تحصيل حاصل، نظرا لطابعه وتوقيته المتأخر، حيث يمكن اعتباره زجريا وليس وقائيا؟
- ما هو دور المؤسسة العسكرية في مثل هذه الحالات؟ وكيف يمكن الاعتماد عليها لمنع وقوع الانفصال؟
- هل يعتبر تنامي النزعة الانفصالية مؤشرا على فشل هذا النمط في احتواء مختلف الأقليات والحساسيات؟
- ما هو مستقبل وحدة الدول، التي تعتمد هذا النمط، في ظل ضعف وعدم نجاعة الضمانات الداخلية المؤسساتية والخارجية المتمثلة في قواعد القانون الدولي؟
كيف يمكن للمغرب بعد طرحه مقترح الحكم الذاتي كحل للنزاع حول وحدته الترابية أن يتفادى المخاطر وتبعات هذا النمط في حالة إقراره؟
كيف قرأ المغرب هذا المستجد في ظل انحسار أطروحة الانفصال؟
هل بات المغرب في حاجة ماسة الى مراجعة وإعادة صياغة وبلورة مقترح الحكم الذاتي بشكل يضمن السيادة ويقلل هامش مناورات خصومه؟
في إطار محاولة الإجابة عن بعض هاته التساؤلات لا بد من استحضار التجربتين العراقية والإسبانية، وتفكيك بعض الوقائع والحيثيات للخروج بخلاصات واستنتاجات موضوعية، ويمكن الاستعانة في هذا الجانب بثلاث ضمانات أساسية يبدو أنها لعبت دورا في لجم أو تأخير النزوعات الانفصالية على الأقل في الرحلة الراهنة :
الضمانة المؤسساتية والدستورية..
تعتبر المؤسسات الدستورية المركزية في الدول، التي تعتمد نظام الحكم الذاتي في بعض أقاليمها، أحد أهم الأجهزة المكلفة بتدبير العلاقة بين الحكومة المركزية والإقليمية، والمكلفة بالسهر كذلك على ضمان احترام الدستور فيما يتعلق بالاختصاصات والصلاحيات. إذ في حالة وقوع تنازع أو أزمة سياسية أو محاولة للانفصال، فإن إعمال الدستور، وتدخل المؤسسات المكلفة بحماية وحدة تلك الدول، يعتبران أمرا ضروريا وضمانة أساسية لتفادي المساس بسلامة ووحدة أراضي الدول.
في العراق، مثلا، يعتبر إقليم كردستان منطقة حكم ذاتي بالشمال، نص عليها بوضوح الدستور العراقي، غير أنه جرى استفتاء صوت من خلاله أكثر من 93 بالمائة من ناخبي إقليم كردستان العراق لصالح الانفصال. معارضة إجراء هذا الاستفتاء لم تقتصر على بغداد الرسمية فحسب، بل تعدتها إلى جيران كردستان العراق، مثل إيران وتركيا وكذلك الولايات المتحدة والأمم المتحدة. وفي إطار تفعيل الصلاحيات الدستورية لوقف هذا الانفصال، صوت البرلمان العراقي على عزل جميع المسؤولين الأكراد، الذين شاركوا في الاستفتاء، وطالب بالسيطرة على حدود كردستان مع الدول المجاورة، وإجراء جميع المفاوضات والصفقات النفطية مع الحكومة العراقية حصرا. كما وصف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الاستفتاء بأنه خطوة "غير شرعية وغير دستورية". كما رفض البرلمان العراقي في بغداد الاستفتاء وصوت ضده، وطلب من رئيس الحكومة اتخاذ كل الإجراءات الضرورية للحفاظ على وحدة العراق في مواجهة خطوة الأكراد الانفصالية.
كما عاقب البرلمان محافظ كركوك، الكردي، بعزله من منصبه، في 14 شتنبر، بعد إعلان تأييده للاستفتاء والموافقة على إجرائه في المحافظة. وأمرت المحكمة العراقية العليا بوقف استفتاء إقليم كردستان.
أما بإسبانيا، فقد قام برلمان كتالونيا، في تجاهل تام للدستور ولمبادئ الديمقراطية، وبعد أن وضع نفسه تماما على هامش القانون، بإنتاج ممارسات مخالفة لمهامه الدستورية والمؤسساتية، حيث دخلت أزمة إسبانيا مصيرا مجهول. لكن رد فعل الحكومة الإسبانية جاء متأخرا، إذ تعهد رئيس الوزراء باتخاذ جميع "الإجراءات الضرورية" لوقف انفصال كتالونيا. إلا أنه من غير الواضح ما إن كانت محاولة الانفصال "المجمدة"، التي جعلت الحكومة المركزية توظف وتلجأ إلى المادة 155 من الدستور الإسباني، وتحصل على موافقة مجلس الشيوخ لتعليق الحكم الذاتي بإقليم كتالونيا، قد تسمح بتفادي خطر الانفصال، الذي من الممكن أن يؤثر على استقرار النظام السياسي بهذا البلد.
كما أن المحكمة الدستورية بإسبانيا ترى أن إعادة تعريف الهوية والوحدة للشعب مصدر السيادة، تعد مسألة يجب توجيهها من خلال عملية تعديل، وفقا لأحكام المادة 168 من الدستور عن طريق استفتاء على مراجعة أحكامه، ولا تعتبر السلطة مخالفة للدستور، نتيجة لسوء فهمها بشأن ما تقتضيه وتقره في كل حالة، بل بسبب رفضها الصريح للنظام الدستوري القائم، ولا يحق لأي سلطة قائمة أن تعتبر نفسها فوق الدستور والقانون، ولا يمتلك الشعب الكتالوني الحق في السيادة، بمعزل عن الأمة الإسبانية الكائنة داخل الدولة، كما لا يستطيع تعريف نفسه بأنه "شخص قانوني" يحق له منازعة صاحب الحق في السيادة الوطنية.
وبالفعل، وظفت الحكومة الفصل 155 من الدستور، الذي يسمح بسيطرة الحكومة المركزية على إقليم كتالونيا. وتسمح المادة 155 من دستور 1978 الإسباني، التي عززت الحكم الديمقراطي بعد وفاة الجنرال فرانكو بثلاث سنوات، لمدريد بفرض الحكم المباشر في حالة حدوث أزمة كبرى، لكنها لم تستخدم على الإطلاق.
الضمانة الدولية/عدم الاعتراف بالكيانات الجديدة
عارضت كل من تركيا وإيران الاستفتاء في كردستان، واعتبرته أنقرة "خطأ تاريخيا"، بينما وصفته طهران بأنه "خطوة خطيرة". وترفض الدولتان معا الاستفتاء بصورة أساسية خوفا من تأثيره على الأقليات الكردية الموجودة لديهما، وعددها في الواقع أكبر من عدد الأكراد في العراق، رغم أن تركيا وإيران لديهما مصالح اقتصادية قوية مع كردستان العراق، الذي يصدر النفط إلى العالم عبر ميناء جيهان التركي، ويقدم النفط الخام إلى إيران مقابل الحصول على منتجات نفطية.
أما إسبانيا، فجميع الدول الأوربية ترفض الاعتراف بإقليم كتالونيا كدولة مستقلة، حيث عبرت كافة مؤسسات الاتحاد الأوربي عن عدم اعترافها بهذا الكيان الجديد، وأكدت دعمها لوحدة إسبانيا.
الضمانة العسكرية والأمنية
ألزم البرلمان العراقي رئيس الوزراء حيدر العبادي بنشر قوات في كافة المناطق المتنازع عليها مع الأكراد، فيما أمر العبادي الأجهزة الأمنية بحماية المواطنين في مناطق تحت سيطرة إقليم كردستان العراق، على خلفية استفتاء انفصال الإقليم، الذي اعتبره نوري المالكي "إعلان حرب على وحدة الشعب العراقي". وقد بدأت تركيا وإيران مناورات على الحدود مع كردستان العراق. بالإضافة إلى ذلك، قامت إيران بإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات المتجهة أو العائدة من كردستان العراق.
وحذر مسؤولون عسكريون عراقيون من تأثير الاستفتاء على الحرب الدائرة ضد تنظيم "داعش"، وقالوا إنه سيؤدي إلى نتائج سلبية، خاصة أن التنظيم ما زال يسيطر على مناطق متنازع عليها مثل مدينة الحويجة بمنطقة كركوك.
وفي إسبانيا، اقتحمت قوات الأمن، التابعة للحكومة الإسبانية، مركز الاتصالات والتكنولوجيا، التابع للحكومة الكتالونية، لمنع التصويت عبر الإنترنت وعرقلة نظام فرز الأصوات الإلكتروني. كما اندلعت يوم الاستفتاء حول الانفصال اشتباكات عندما شرعت قوات الشرطة والحرس المدني في سحب صناديق الاقتراع من المراكز المفتوحة للتصويت، بينما أقام مواطنون حواجز بشرية أمام أبواب مراكز الاقتراع. كما نقلوا صناديق وأوراق الاقتراع إلى مراكز بمدارس ومؤسسات ثقافية.
وسبق لحكومة مدريد أن لوحت صراحة، مرتين، بورقة الخيار العسكري في وجه كتالونيا، الأولى عام 2012 عندما قال الجنرال المتقاعد حاليًا في الجيش الإسباني، بيدو بيتارش، إن هناك انقسامات في الجيش بشأن التعامل مع مطالبات إقليم كتالونيا بالانفصال عن إسبانيا. أما التهديد الثاني الصريح من مدريد بالتدخل العسكري فكان عام 2015، قبل فوز القوميين الانفصاليين بزعامة كارلوس بوجديمونت، رئيس كتالونيا الحالي، حيث هدد وزير الدفاع الإسباني، بيدرو مورينيس، بالتدخل عسكريًا في إقليم كتالونيا، صراحة وعلانية، في حال حدوث تحركات لفصل الإقليم عن إسبانيا، وهو ما تم بعد عامين من تهديده. غير أن الحكومة المركزية في مدريد متفقة على أن حل أزمة كتالونيا يجب أن يكون بعيدا عن العسكر، ويظهر ذلك من خلال عدم تلويح رئيس الوزراء الإسباني باللجوء إلى المؤسسة العسكرية، والاكتفاء فقط بالوسائل السلمية والدستورية لإجهاض الحراك الانفصالي، ولربما كان ذلك بسبب خشيته من عودة الجيش إلى التدخل في الحياة السياسية.
الخلفيات الاستراتيجية بالنسبة إلى المغرب: تدبير "زمن الصراع" والعودة إلى نقطة الصفر
ماذا يعني سحب مقترح الحكم الذاتي في الظرفية الراهنة؟ وما هي مكاسب وسلبيات هذه الخطوة؟ وهل تسمح الظروف الداخلية والإقليمية والدولية باللجوء إلى هذا الخيار لتحصين الوحدة الترابية للمغرب؟ وهل في صالح المغرب إرجاع عقارب الصراع إلى الوراء؟ وكيف سيؤثر هذا القرار على خصوم المغرب؟ أسئلة كثيرة تطرح نفسها، ويصعب تقديم إجابات دقيقة وموضوعية وفق السياق الحالي. لكن هذا لا يمنع، من الناحية المنهجية، من محاولة إثارة بعض النقاط والإشكالات في معرض معالجة أهم الجوانب المتعلقة بخطوة سحب المقترح كإجراء وقائي/مناورتي/ تكتيكي.
كما هو معلوم، فقد تقدم المغرب بمقترح الحكم الذاتي سنة 2007، ولقي هذا المقترح تجاوبا واسعا من مختلف القوى الدولية، التي اعتبرته ذا مصداقية وجدية لحل النزاع حول الصحراء، لكن منذ طرحه إلى اليوم، ظلت جبهة البوليساريو، بدعم وتحريض من الجزائر، ترفض الموافقة أو حتى التفاوض بشأن هذا المقترح، بمعنى أنه بعد مرور عقد من الزمن، لم يحظ مقترح الحكم الذاتي، رغم المخاطر التي يحملها في ثناياه وفقراته، باهتمام وتفاعل الأطراف المعنية بالنزاع.
إن رفض البوليساريو التفاعل بإيجابية مع مقترح الحكم الذاتي يمكن تفسيره بمجموعة من الاعتبارات والخلفيات، يبقى أبرزها محددين أساسيين: الأول، عدم استقلالية القرار في مخيمات تندوف عن قصر المرادية بالجزائر. والثاني، يرتبط بإشكالية وازدواجية التنظيم الانفصالي، حيث يأخذ، تارة، شكل "دولة"، وتارة أخرى شكل "حركة انفصالية"، بمعنى أن البوليساريو لم تحسم في طبيعتها وشكل تواجدها بشكل منطقي وموضوعي.
إن البوليساريو في المخيمات يراد لها أن تكون "دولة وهمية" تخدم أطروحة وأجندة العسكر الجزائري، وهي على مستوى الاتحاد الإفريقي تصنف كـ"دولة"، وخارج المخيمات، وعلى المستوى الدولي، وخلال المفاوضات مع المغرب، تقدم نفسها كحركة انفصالية تطالب بتقرير المصير. وبالتالي، فسقف الدولة في المفاوضات يتعارض مع سقف الحركة الانفصالية، والتداخل بين الشكلين يصعب ويعقد مسألة التفاوض مع هذا الكيان، ويحول دون إيجاد حل يراعي الوحدة الترابية للمغرب.
إن سحب مقترح الحكم الذاتي يرتبط أساسا بهذه المفارقة، وبضرورة الحسم في طبيعة جبهة البوليساريو، حيث يصعب، إن لم يكن مستحيلا، إيجاد حل في ظل ازدواجية هذا التنظيم. لذلك، فلجوء المغرب إلى هذه الخطوة قد يؤدي إلى رمي الكرة في ملعب الخصوم، والضغط على البوليساريو أمام المنتظم الدولي، فعوض أن يكون الضغط موجها إلى المملكة واتهامها بعرقلة مسار التسوية الأممية من خلال رفضها العودة إلى طاولة المفاوضات في ظل الواقع الحالي، سوف يصبح النقاش حول ضرورة حسم شكل التنظيم الانفصالي من خلال تبني مجلس الأمن مسألة تفكيك "الدولة" المعلن عنها من جانب واحد، وغير المعترف بها من طرف الأمم المتحدة، وذلك، بحل المليشيات العسكرية، وحل جميع الأجهزة والمؤسسات التي تحيل على وجود "دولة".
مسألة أخرى ترتبط بسحب المقترح، ولا تقل أهمية كذلك عن سابقاتها، ومن الممكن أن تحصن مكاسب المغرب أكثر على المستوى الدولي، وهي أن هذه الخطوة تأتي بعد الأحداث التي وقعت في إسبانيا والعراق. ورغم اختلاف السياقات، فإن الهواجس المغربية من اعتماد هذا المقترح تبقى مشروعة ومبررة.
وبالتالي، فسحب المقترح لإعادة تحيينه ومراجعته، وكذلك، مطالبة المنتظم الدولي بتوفير ضمانات موضوعية وواقعية لتفادي المخاطر المرتبطة بهذا النمط، يندرجان ضمن الخطوات الاستباقية الرامية إلى الدفاع عن المصالح العليا للمملكة. وهي خطوة قد تعيد مسار الملف إلى نقطة الصفر، وتجعل المغرب يتحكم في إيقاع الصراع، ويضع الشروط التي تحصن المكاسب، وفي الوقت ذاته يدفع الأطراف الأخرى إلى تقديم تنازلات أكثر.
وأخيرا، إن سحب مقترح الحكم الذاتي يمكن اعتباره إجراء تكتيكيا من شأنه أن يساهم في إعادة ترسيم وتحديد بعض الجزيئات، التي تؤثر بشكل كبير على مسار قضية الصحراء. كما أن السحب في حد ذاته سيكون تسويقا لهذا المقترح وإعادة الاعتبار إليه، بعد أن تمكنت كل من البوليساريو والجزائر بمناوراتهما أن تخففا من قوته وإشعاعه على المنتظم الدولي.

*أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض

شاركه على جوجل بلس

عن Unknown

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق