إنضم إلينا

الشكايات ضد الصحافيين في السويد .. تعامل حضاري ونموذج فريد


في السويد نموذج فريد من تسوية الشكايات المرفوعة ضد الصحافيين؛ ذلك أنّ هذه الشكايات يتمّ النظر فيها من طرف مؤسستين؛ هما المجلس الوطني للصحافة، ووسيط الصحافة، ونادرا ما تتحوَّل إلى دعاوى قضائية أمام المحاكم، إذ إن الثقافة السائدة في السويد تجعل من الشكاية وسيلة لردّ الاعتبار للمشتكي، وليس الحصول على تعويضات مالية كبيرة.
"في السويد هامش حرية التعبير واسع، لأنها الأصل، والذين يتابعون الصحافيين أمام القضاء غالبا ما يخسرون قضاياهم، لذلك وضعنا قانونا لضمان حق الصحافي، وضمان حق المواطن أيضا، إذا أساءت له صحيفة ما"، تقول جانيت جوستافدوتر، رئيسة مجلس إدارة مؤسسة الناشرين السويديين، والمحامية المتخصصة في قانون الإعلام، مضيفة: "مبدءَا الحرية والمسؤولية متلازمان، ولا يمكن أن نعزل أحدهما عن الآخر".
أنشئ مجلس الصحافة في السويد عام 1916، وهو أقدم مجلس من نوعه في العالم، وكانت وظيفته بالأساس هي مواجهة الضغوط السياسية الممارسة على الصحافيين، وتوفير مزيد من الحماية لهم، وضمان حق الرأي العام في الإخبار. وفي عام 1969 أنشئ وسيط الصحافة، وهو واحد من التنظيمات الصحافية في السويد، مهمته حل النزاعات بشكل ودّي بين الصحافيين والمشتكين منهم.
تتمثل مهمة مجلس الصحافة السويدي، حسب المعلومات التي قدمتها جانيت جوستافدوتر، في عرض لها ضمن مؤتمر "إصلاح الإعلام: المهنية والمأسسة"، المنظم ببيروت من طرف منتدى البدائل العربي للدراسات، بشراكة مع المعهد السويدي بالإسكندرية، في تقييم جميع الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية وصفحات المنصات الاجتماعية التابعة لها، إضافة إلى 41 موقعا إلكترونيا منخرطا في المجلس، الذي يرأسه قاض من المحكمة العليا السويدية، "لإعطاء مصداقية لعمله"، تقول جانيت.
يضمن مجلس الصحافة السويدي حق الردّ للأفراد والمؤسسات الحكومية والشركات..وغيرها، في حال ثبت حصول قذف من طرف إحدى الصحف، أو إخلالها بإحدى القواعد وأخلاقيات المهنة التي وضعها المجلس وتوافق عليها المشتغلون في حقل الإعلام بالسويد، إذ يتم تلقي الشكايات من طرف وسيط الصحافة، الذي يبحث في حيثياتها، وإذا تحقق من أن صاحب الشكوى طاله ضرر يحيلها على مجلس الصحافة، الذي يبت فيها.
ينص القانون المنظم لمجلس الصحافة السويدي على أنّ الشكاية يجب أن يبعث بها المشتكي في غضون ثلاثة أشهر على أكثر تقدير من تاريخ بث الصحيفة أو الموقع الإلكتروني المقال موضوع الشكاية. ويُطلب من رئيس تحرير الصحيفة المعني أن يقدّم جوابا عن الشكوى، وفي حال ثبت أنّ الصحيفة خرقت، فعلا، قواعد المهنة، فإنها تدفع غرامة قالت جاكلين إنها تكون "متواضعة"، الغاية منها ردّ الاعتبار للطرف المشتكي، كما أن الصحيفة تُلزم بنشر التقرير الذي أعده مجلس الصحافة حول الشكاية.
وفي مقابل عمل مجلس الصحافة السويدي على ضمان حقّ المشتكين مما تبثه الصحافة، فإنه يدافع في المقابل عن الصحافيين؛ فحتى في حال ثبوت تقصير رئيس تحرير الصحيفة، وثبوت أنّ ما نشره فيه إساءة إلى الطرف المشتكي، فإن مجلس الصحافة يحميه من أن يتعرّض لأي ضغط من طرف إدارة الصحيفة التي يشغل رئيس تحريرها.
من بين أخلاقيات المهنة التي يتوجب على الصحف السويدية احترامَها عدم إظهار وجوه المتهمين المتورطين في أي قضية، سواء قبل إدانتهم من طرف المحكمة، أو حتى بعد إدانتهم، بهدف حماية خصوصية الأفراد. وقالت جانيت في هذا الإطار: "يجب على الصحافي أن يتحرى الدقة والحقيقة في نشر الأخبار، والاستماع إلى جميع الأطراف، وينأى عن نشر الصور".
واستعرضت المحامية المتخصصة في قانون الإعلام بعض القضايا التي عُرضت على مجلس الصحافة السويدي، والمتعلقة بانتهاك الحياة الشخصية للأفراد، ومنها إقدام صحيفة على نشر صورة مغنّ مشهور وهو يتناول المخدرات، وكان موقف المجلس أنّ الصحيفة ليس من حقها أن تنشر صوره، "لأنّ ظهوره وهو يتعاطى المخدرات يشكل خطرا على المجتمع، ولأنّ له أطفالا صغارا لا يجب أن يطلعوا على صورة أبيهم في الجرائد وهو يتعاطى المخدرات".
في المقابل، فإنّ فضح المسؤولين الذين يتولون تسيير الشأن العام في السويد أمر مطلوب، إذ قالت جانيت: "لو كان الأمر يتعلق بوزير في الحكومة لكان من حق الصحافة أن تنشر صورته". وفي هذا الإطار أشار بيتر ويدرود، مدير المعهد السويدي بالقاهرة، إلى حالة مماثلة لحالة المغني المتعاطي للمخدرات، إذ نشرت الصحافة صورة لوزير الاقتصاد السويدي السابق، دون أن يلقى النشر معارضة من مجلس الصحافة. "لأن الوزير له تأثير كبير على المجتمع، وهو عضو في أكثر من مجلس إداري لمؤسسات مختلفة"، يشرح المتحدث.
شاركه على جوجل بلس

عن Unknown

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق