بين من يرى أن نمو الإقتصاد المغربي مرتبط بتفعيل البرنامج الحكومي الذي يستهدف نسبة نمو بـ 3.2% في 2018، وبين من يرى أن تحقيق هذا الهدف يمر وجوبا عبر الإلتزام بشروط، تتباين آراء الخبراء والفاعلين الاقتصاديين بشأن شروط الإقلاع من جديد.
ففي وقت خيّبت فيه نسبة نموّ الاقتصاد المغرب في 2016، توقّعات حكومة المملكة، ترنو الأخيرة إلى إعادة الزخم لهذا المؤشّر، من خلال تحفيز القطاعات الاقتصادية ودعم التشغيل، وفق خبراء بالمجال.
وتستهدف حكومة المملكة، من خلال مشروع موازنتها لعام 2018، والذي شرعت بإعداده منذ أسابيع، تحقيق نسبة نمو اقتصادي بـ 3.2%، سعيا نحو رأب الصدع الذي لحق مؤشراتها الكلية وأفرز نموا اقتصاديا لم يتجاوز الـ1.6% في 2016.
استعادة "وهج" النمو
يفسّر مختصون في الشأن الاقتصادي الفجوة الحاصلة بين نسب النمو المتوقّعة والمسجّلة للاقتصاد المغربي بارتباط الأخير بالعوامل الطبيعية وخصوصا المطر.
وزير التشغيل والإدماج المهني المغربي، محمد يتيم، قال، في حديث للأناضول، إن "الحكومة وضعت هدفا طموحا يتمثل في تحقيق نسبة نمو تتراوح بين 4.5 % و5.5 % في أفق خمس سنوات".
وخلال الربع الثاني من 2017، نما الاقتصاد المغربي بنحو 4.8% على أساس سنوي، وفق المندوبية السامية للتخطيط (حكومية)، التي توقعت، في الربع الثالث من العام ذاته، تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي، بشكل طفيف، إلى 4.1%.
وبالنسبة للوزير المغربي، فإن "طموح حكومته مرتبط بعدد من المتغيرات الداخلية (الفلاحة وتساقطات الأمطار)، والخارجية"، في إشارة إلى سعر النفط بالأسواق العالمية، وتقلبات الاقتصاد العالمي وخاصة الأسواق الشريكة.
وتابع: "سنعمل على تفعيل مختلف الاستراتيجيات والرؤى، من أجل تحقق قيمة مضافة على المستوى الناتج الداخلي الخام".
وأردف: "سنواصل التحكم في التوازنات المالية التي شهدت إصلاحات هامة في عهد الحكومة السابقة، ونذكر بالخصوص الإصلاح المتعلق بصندوق المقاصة (نظام الدعم)، الذي يستهدف دعم الفئات المعوزة (الفقيرة)".
شروط الإقلاع
الخبير الاقتصادي المغربي، الطيب أعيس، لفت من جانبه إلى أنّ "الاقتصاد المحلي قادر على الإقلاع من جديد، وتحقيق نسبة نمو المحلي ما بين 4.5% و5% المستهدفة من قبل الحكومة".
واستدرك: "نعم ممكن لكن بشروط، منها داخلية وأخرى خارجية".
توضيحا لما تقدم، قال أعيس، إنّ "الشرط الخارجي يتعلّق بمدى القدرة على تنويع الأسواق التي تتعامل معها المملكة".
وأشار إلى "الأزمة الاقتصادية التي تشهدها اليوم الأسواق الاقتصادية الشريكة، وخصوصا السوق الأوروبية".
وتابع "لا ينبغي أن نترك القطاع الخاص يجتهد لوحده، بل على الدولة مرافقته في ذلك للعمل على إيجاد أسواق جديدة وواعدة، مع وضع آليات لمواكبة القطاع الخاص في علاقته بالأسواق العالمية الجديدة والمتجددة".
أما "على المستوى الداخلي، فيجب على الإدارة المغربية أن تضع حدا للإجراءات الإدارية المعقدة، لدعم القطاع الخاص الأكثر قدرة على خلق فرص العمل".
الحدّ من البطالة.. الرهان الأكبر
الوزير المغربي للتشغيل محمد يتيم، أشار أيضا إلى أن البرنامج الحكومي "رفع تحدّي يتمثل في تقليص البطالة إلى 8.5% في أفق 2021".
واعتبر أن الحد من هذا المؤشر الذي بلغ 10.7% خلال الربع الأول من 2017، يشكل "تحديا كبيرا وصعبا".
وبالنسبة له، فإنّ "تحقيق هذا الهدف يرتبط بعدة عوامل، بعضها متعلق بالحكومة، وبعضها خارج عن إرادتها".
وأعلن الوزير أنّ "اللجنة الوزارية للتشغيل صادق، نهاية غشت الماضي، على المحاور الاستراتيجية لخطة العمل".
وتشمل المحاور الاستراتيجية، دعم خلق مناصب الشغل، واعتماد تدابير مالية وقانونية وإدارية تحفيزية لخلق فرص العمل، وأيضا تدابير ذات العلاقة بالاستثمار التي يتعين التفكير فيه دوما في علاقته بمدى إحداث هذه الفرص.
واعتبر الوزير أنه "من المهم أيضا دعم برامج الوساطة في سوق الشغل، وبدأنا العمل على ذلك بالنظر للدور الأساسي للوساطة في التقريب بين العرض والطلب، وفِي إجراء دورات تدريبية إضافية تعزز من فرص التوظيف".
إجراءات تحفيزية
الوزير "يتيم"، شدّد، في ذات السياق، على أن "الحكومة عملت وتعمل على تشجيع الاستثمار ودعم المقاولة، وخصوصا منها المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر".
وقال "في هذا المجال، اعتمدنا عدة إجراءات تحفيزية، مثل إعفاء المقاولات الصناعية الناشئة من الضريبة على الشركات لمدة 5 سنوات، بهدف تقوية بنية المقاولات خصوصا في مراحلها الأولى".
كما يرى الوزير في "مشروع قانون المالية 2018 رافعة مهمة وقوية، لتأهيل المقاولات، بهدف توفير المزيد من مناصب الشغل والإسهام في تنمية الاقتصاد الوطني".
"مجرّد نوايا"
من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي المغربي، المهدي لحلو، في حديث للأناضول، أن ما تعلن عنه الحكومة من إجراءات "مجرد نوايا".
وقال "أعلنت الحكومة برنامجها، منذ مارس (آذار) الماضي، وهو مجرد مجموعة من النوايا والتخمينات تخص السنوات الخمسة القادمة".
واستبعد الخبير "وجود مخطّط أو برنامج من شأنه أن يغير الوضع الاقتصادي في البلاد، لأن القطاعات الاقتصادية الأساسية تعاني".
وموضحا الجزئية الأخيرة، قال إن "القطاع الفلاحي لا يمكن الاعتماد عليه، لارتباطه بسقوط الأمطار، فيما تعاني السياحة من صعوبات هيكلية، مرتبطة بالأساس بكون المجتمع المغربي مجتمع محافظ".
وأضاف أن "قطاع الاستثمارات الأجنبية دون مستوى المتوسط، خلال السنوات العشر الماضية، وتحويلات المهاجرين المغاربة ليس بإمكانها تغيير أسس الاقتصاد المحلي".
واستدرك أن قطاع الفوسفات لوحده قادر على تحقيق النمو المنشود، وذلك "رغم تأثر القطاع بتطورات الأسواق الاقتصادية العالمية".
النموذج التنموي
وزير التشغيل المغربي رأى أن "النموذج التنموي قضية جوهرية".
وقال "سنعمل على تغيير بنية نظام الإنتاج والاقتصاد، من اقتصاد يعتمد الفلاحة إلى نموذج يعتمد أكثر على الصناعة والصناعات الواعدة والخدمات والاقتصاد الرقمي".
وأضاف "نريد نموذجا تنمويا تصبح فيها مختلف الجهات فاعلا اقتصاديا له قيمته المُضافة، حسب خصوصية كل جهة".
وزاد "ومن ثم نموذجا يقلص بين الفوارق بين الجهات (مناطق المملكة)، ويجعل من الجهة قطبا للاستثمارات، وهذا يتطلّب توفير البنى التحتية، من أجل أن يفرز النموذج الجديد أقطابا جهوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية".
0 التعليقات:
إرسال تعليق