إنضم إلينا

الاقتصاد بالجزائر : أزمة خانقة وحلول عرجاء


 تعيش الجزائر منذ ثلاثة أعوام ، أزمة اقتصادية حادة بسبب تراجع أسعار النفط بأكثر من 55%، ما دفع الحكومة إلى المغامرة بحزمة من السياسات المالية لسد عجز الموازنة العامة، أثارت معها مخاوف لدى العديد من الأوساط الاقتصادية من أن تؤدي إلى زيادة معدل التضخم بوتيرة سريعة، وبالتالي المس بالمستوى المعيشي للجزائريين في الفترة القادمة.
لم يتوقف مسلسل الأزمة عند هذا الحد، بل اشتد الخناق الاقتصادي في الجزائر مع تراجع الحكومة عن خطط الانفتاح الاقتصادي التي أعلنت عنها في العامين الماضيين، وتبنيها مجموعة من الحلول التي قد تفرض تداعيات اقتصادية عديدة وشيكة، من بينها الزيادة في أسعار الوقود مجددا وزيادات ضريبية أخرى، مع الاعتماد على طباعة البنك المركزي للنقود لمدة خمس سنوات مقبلة؛ ما من شأنه الزيادة في ارتفاع مستويات التضخم.
ويضع تقرير صادر عن مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، وهو مركز تفكير "Think Tank" يوجد مقره في أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، هذه التحولات الخطيرة تحت المجهر، مرجحا أن تقود تلك السياسات لاحقا إلى تدهور الثقة في بيئة الاستثمار والاقتصاد بشكل عام، ومحذرا من أن الجزائر ستكون في حاجة إلى التخلي عن الحذر في الانفتاح على الاقتصاد العالمي وتشجيع القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب على المشاركة في الأنشطة الاقتصادية المختلفة.
وتبرز ثلاثة مؤشرات رئيسية خلال الفترة الماضية، تبين مدى غياب اتجاه بارز لتشجيع الانفتاح الاقتصادي في البلاد؛ يتمثل أولها في اتجاه الحكومة الحالية، برئاسة أحمد أويحيى، إلى الاعتماد على التمويل عبر البنك المركزي لسد عجز الموازنة العامة، متخلية بذلك عن وسائل التمويل الأخرى مثل الاقتراض الخارجي، في حين يتصل ثاني المؤشرات باستمرار جمود التشريعات الاقتصادية بما لا يجذب الاستثمارات الأجنبية في البلاد.
أما ثالث تلك المؤشرات فيتجسد في تراجع الحكومة عن دعم القطاعات غير النفطية، مثل قطاع السيارات الذي يعد أكثر القطاعات جذبًا للمستثمرين نظرا لكبر حجم سوق الاستهلاك المحلي؛ إذ أصدرت الحكومة الجزائرية، في نهاية يوليوز الماضي، قرارا بوقف تقديم الرخص لمشاريع تجميع السيارات مع استنزاف استيراد مكونات السيارات للنقد الأجنبي؛ وهو ما يمثل تهديدا لصناعة يمكن تطويرها وزيادة تنافسيتها على المدى الطويل بالتعاون مع الشركاء الأجانب.
لجوء الجزائر عبر حكومة أويحيى إلى رزمة من الحلول، أثار تخوفات من إمكانية أن تنتج ضغوطا تضخمية في الجارة المغاربية خلال الفترة المقبلة؛ يتمثل أبرزها في عمليات السحب على المكشوف. فمع استبعاد إمكانية الاقتراض الخارجي، خاطرت الحكومة مؤخرا بالاتجاه نحو تمويل عجز الموازنة العامة عبر طباعة النقود من قبل البنك المركزي. وبحسب تقديرات الحكومة، من المتوقع أن يبلغ عجز الموازنة في عام 2018 نسبة 9% من حجم الناتج المحلي الإجمالي، أي بما يناهز 21 مليار دولار.
إلى جانب ذلك، تبنت الحكومة أيضا، وتحت وطأة الضغوط المالية، خطة بإعادة هيكلة الإنفاق والإيرادات العامة، عبر إصلاحات ضريبية ستشمل استحداث رسوم جديدة على سلع محلية ومستوردة، مثل التبغ، في العام المقبل، وفرض ضريبة على الثروة بعد أن رفعت الحكومة في موازنة عام 2017 ضريبة القيمة المضافة من 17% إلى 19%، بالإضافة إلى الرسوم على العقارات والوقود، واستحداث رسم على الأجهزة الكهربائية التي تستهلك الكثير من الطاقة.
تجدر الإشارة هنا إلى أن هبوط أسعار النفط في العامين الأخيرين تسبب في استنزاف تدريجي للاحتياطيات المالية للجزائر؛ إذ بلغت 108 مليارات دولار في منتصف العام الجاري بعدما كانت 192 مليارا في منتصف عام 2014، ليتعرض إثر ذلك الدينار الجزائري لضغوط متواصلة منذ ذلك الحين، ويبلغ حاليًا نحو 115 دينار للدولار الواحد، بانخفاض نسبته 45% عن قيمته قبل عامين.
ويرى التقرير أن الآليات التي تبنتها الحكومة الجزائرية في معالجة التشوهات الاقتصادية الراهنة تبقى حلولاً قصيرة الأجل، بل ومن المتوقع أن تفرض تداعيات سلبية على الاستقرار الاقتصادي والنقدي في البلاد خلال الفترة المقبلة، ما قد يبرر لاحقا تراجع نصيب الفرد الجزائري من الناتج المحلي الإجمالي الذي سيكون له انعكاسات سلبية على المستويات المعيشية.
تبعا لذلك، تخلص الوثيقة البحثية إلى أن توقعات الحكومة الجزائرية بوصول التضخم في العام المقبل إلى 5.5% ستظل محل شك كبير، ما سيضع الجارة المغاربية أمام محك حقيقي، بل وخطر غير محسوب العواقب، من شأنه فقدان الثقة الدولية في بيئة الأعمال الجزائرية وتراجع مستوى جذب الاستثمارات الأجنبية.
شاركه على جوجل بلس

عن Unknown

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق